فصل: فَصْلٌ: (دفع الصائل):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى



.فَصْلٌ: [صفةُ الْقَطْعِ]:

(وَإِذَا أُوجِبَ الْقَطْعُ قُطِعَتْ يَدُهُ الْيُمْنَى) لِقِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ: فَاقْطَعُوا أَيْمَانَهُمَا وَهُوَ إمَّا قِرَاءَةٌ أَوْ تَفْسِيرٌ سَمِعَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ إذْ لَا يُظَنُّ بِمِثْلِهِ أَنْ يُثْبِتَ فِي الْقُرْآنِ بِرَأْيِهِ، وَلِأَنَّهُ قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَلَا مُخَالِفَ لَهُمَا مِنْ الصَّحَابَةِ (لِإِهْدَارِهَا) بِسَبَبِ جِنَايَتِهَا؛ إذْ السَّرِقَةُ لَا تَكُونُ غَالِبًا إلَّا بِهَا فَأُهْدِرَتْ لِذَلِكَ (مِنْ مِفْصَلِ كَفِّهِ) لِقَوْلِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ تُقْطَعُ يَمِينُ السَّارِقِ مِنْ الْكُوعِ وَلِأَنَّ الْيَدَ تُطْلَقُ عَلَيْهَا إلَى الْكُوعِ وَإِلَى الْمِرْفَقِ وَإِلَى الْمَنْكِبِ، وَإِرَادَةُ مَا سِوَى الْأَوَّلِ مَشْكُوكٌ فِيهِ؛ فَلَا يُقْطَعُ مَعَ الشَّكِّ. (وَحُسِمَتْ وُجُوبًا) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَارِقٍ: «اقْطَعُوهُ وَاحْسِمُوهُ».
قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ فِي إسْنَادِهِ مَقَالٌ. وَحَسْمُهَا بِغَمْسِهَا فِي زَيْتٍ مَغْلِيٍّ لِسَدِّ أَفْوَاهِ الْعُرُوقِ، فَيَنْقَطِعُ الدَّمُ، إذْ لَوْ تُرِكَ بِلَا حَسْمٍ لَنَزَفَ الدَّمُ، فَأَدَّى إلَى مَوْتِهِ الْعُرُوقُ. (وَسُنَّ تَعْلِيقُهَا)؛ أَيْ: يَدُ السَّارِقِ الْمَقْطُوعَةِ (فِي عُنُقِهِ ثَلَاثَةُ أَيَّامِ إنْ رَآهُ الْإِمَامُ)؛ أَيْ: أَدَّاهُ اجْتِهَادُهُ إلَيْهِ لِتَتَّعِظَ السُّرَّاقُ (فَإِنْ عَادَ) مَنْ قُطِعَتْ يَمِينُهُ إلَى السَّرِقَةِ (قُطِعَتْ رِجْلُهُ الْيُسْرَى) مَعَ بُرْءِ يَدِهِ (الْأُولَى)؛ أَيْ: الَّتِي قُطِعَتْ أَوَّلًا (وَإِلَّا) بِأَنْ عَادَ ثَانِيًا إلَى السَّرِقَةِ قَبْلَ الْبُرْءِ (ف) لَا تُقْطَعُ رِجْلُهُ (حَتَّى تَنْدَمِلَ) يَدُهُ؛ أَيْ يَبْرَأَ جُرْحَهَا (مِنْ مِفْصَلِ كَعْبِهِ بِتَرْكِ عَقِبِهِ) لِفِعْلِ عُمَرَ، وَعَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ كَانَ يَقْطَعُ مِنْ شَطْرِ الْقَدَمِ مِنْ مَعْقِدِ الشِّرَاكِ، وَيَتْرُكُ لَهُ عَقِبًا يَمْشِي عَلَيْهَا، وَالْأَصْلُ فِي قَطْعِ الرَّجُلِ فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ مَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي السَّارِقِ: إنْ سَرَقَ فَاقْطَعُوا يَدَهُ، ثُمَّ إنْ سَرَقَ فَاقْطَعُوا رِجْلَهُ». وَلِأَنَّهُ قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، وَلَا مُخَالِفَ لَهُمَا مِنْ الصَّحَابَةِ، فَكَانَ كَالْإِجْمَاعِ وَإِنَّمَا قُطِعَتْ الرِّجْلُ الْيُسْرَى؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ} وَإِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فِي الْمُحَارَبَةِ ثَبَتَ فِي السَّرِقَةِ قِيَاسًا عَلَيْهَا؛ وَلِأَنَّ قَطْعَ الرِّجْلِ الْيُسْرَى أَرْفَقُ بِهِ؛ لِأَنَّ الْمَشْيَ عَلَى الرِّجْلِ الْيُمْنَى أَسْهَلُ وَأَمْكَنُ، وَيَبْعُدُ فِي الْعَادَةِ أَنْ يَتَمَكَّنَ مِنْ الْمَشْيِ عَلَى الْيُسْرَى، فَوَجَبَ قَطْعُ الْيُسْرَى لِئَلَّا تَتَعَطَّلَ مِنْهُ مَنْفَعَةٌ بِلَا ضَرُورَةٍ (وَحُسِمَتْ) وُجُوبًا، وَصِفَةُ الْقَطْعِ أَنْ يَجْلِسَ السَّارِقُ وَيُضْبَطَ، لِئَلَّا يَتَحَرَّكَ فَيَجْنِيَ عَلَى نَفْسِهِ، وَتُشَدَّ يَدُهُ بِحَبْلٍ، أَوْ تُجَرَّ حَتَّى يَتَيَقَّنَ الْمِفْصَلَ، ثُمَّ تُوضَعُ السِّكِّينُ، وَتُجَرُّ بِقُوَّةٍ لِيُقْطَعَ فِي مَرَّةٍ (فَإِنْ عَادَ) فَسَرَقَ بَعْدَ قَطْعِ يَدِهِ وَرِجْلِهِ (حُبِسَ حَتَّى يَتُوبَ، وَيَحْرُمُ أَنْ يُقْطَعَ). رُوِيَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: حَضَرْت عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ أُتِيَ بِرَجُلٍ مَقْطُوعِ الْيَدِ وَالرِّجْلِ قَدْ سَرَقَ، فَقَالَ لِأَصْحَابِهِ: مَا تَرَوْنَ فِي هَذَا؟ قَالُوا: اقْطَعْهُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَالَ: أَقْتُلُهُ إذَنْ، وَمَا عَلَيْهِ الْقَتْلُ بِأَيِّ شَيْءٍ يَأْكُلُ الطَّعَامَ؛ بِأَيِّ شَيْءٍ يَتَوَضَّأُ لِلصَّلَاةِ؛ بِأَيِّ شَيْءٍ يَقُومُ لِحَاجَتِهِ؟ فَرَدَّهُ إلَى السِّجْنِ أَيَّامًا ثُمَّ أَخْرَجَهُ، فَاسْتَشَارَ أَصْحَابَهُ، فَقَالُوا مِثْلَ قَوْلِهِمْ الْأَوَّلِ؛ وَقَالَ لَهُمْ مِثْلَ مَا قَالَ أَوَّلَ مَرَّةٍ؛ فَجَلَدَهُ جَلْدًا شَدِيدًا ثُمَّ أَرْسَلَه. رَوَاهُ سَعِيدٌ. وَلِأَنَّ فِي قَطْعِ يَدِهِ الْأُخْرَى تَفْوِيتًا لِمَنْفَعَةِ جِنْسِ الْيَدِ وَذَهَابِ عُضْوَيْنِ مِنْ شِقٍّ وَحِكْمَةُ حَبْسِهِ كَفُّهُ عَنْ السَّرِقَةِ وَتَعْزِيرُهُ. (فَلَوْ سَرَقَ) شَخْصٌ (وَيَمِينُهُ)؛ أَيْ: يَمِينُ يَدَيْهِ ذَاهِبَةٌ (أَوْ رِجْلُهُ الْيُسْرَى ذَاهِبَةٌ قُطِعَ الْبَاقِي مِنْهُمَا)؛ أَيْ: مِنْ يَمِينِ يَدَيْهِ وَيُسْرَى رِجْلَيْهِ، فَتُقْطَعُ رِجْلُهُ الْيُسْرَى فِي الصُّورَةِ الْأُولَى؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ لَمَّا خَرَجَتْ عَنْ كَوْنِهَا مَحَلًّا لِلْقَطْعِ انْتَقَلَ الْقَطْعُ إلَى مَا يَلِي ذَلِكَ، وَهُوَ الرِّجْلُ الْيُسْرَى، وَتُقْطَعُ يَدُهُ الْيُمْنَى فِي الثَّانِيَةِ لِأَنَّهَا الْآلَةُ أَوْ مَحَلُّ الْقَطْعِ، لِأَنَّهُ مَنْفَعَةُ الْجِنْسِ لَا تَتَعَطَّلُ بِذَلِكَ، وَلَيْسَ مِنْ شِقٍّ وَاحِدٍ. (وَلَوْ كَانَ الذَّاهِبُ) مِنْ السَّارِقِ (يَدَهُ الْيُسْرَى وَرِجْلَهُ الْيُمْنَى؛ لَمْ يُقْطَعْ مِنْهُ شَيْءٌ) لِتَعْطِيلِ مَنْفَعَةِ الْجِنْسِ، وَذَهَابِ عُضْوَيْنِ مِنْ شِقٍّ بِذَلِكَ الْقَطْعِ لَوْ فَعَلَ (وَلَوْ كَانَ) الذَّاهِبُ (يَدَيْهِ أَوْ يُسْرَاهُمَا؛ لَمْ تُقْطَعْ رِجْلُهُ الْيُسْرَى) لِذَهَابِ عُضْوَيْنِ مِنْ شِقٍّ (وَلَوْ كَانَ) الذَّاهِبُ (رِجْلَيْهِ أَوْ يُمْنَاهُمَا) أَيْ يُمْنَى رِجْلَيْهِ (قُطِعَتْ يُمْنَا يَدَيْهِ؛ لِأَنَّهَا الْآلَةُ، وَمَحَلُّ النَّصِّ) وَلَا يَذْهَبُ بِقَطْعِهَا مَنْفَعَةُ جِنْسِهَا (وَلَوْ ذَهَبَ بَعْدَ سَرِقَتِهِ يُمْنَى) يَدَيْهِ (أَوْ يُسْرَى يَدَيْهِ أَوْ) ذَهَبَ بَعْدَ سَرِقَتِهِ يُمْنَى أَوْ يُسْرَى يَدَيْهِ (مَعَ رِجْلَيْهِ أَوْ) ذَهَبَ يُمْنَى أَوْ يُسْرَى يَدَيْهِ مَعَ (إحْدَاهُمَا)؛ أَيْ: إحْدَى رِجْلَيْهِ (سَقَطَ الْقَطْعُ) أَمَّا فِي الْأُولَى فَلِتَلَفِ مَحَلِّ الْقَطْعِ كَمَا لَوْ مَاتَ مَنْ عَلَيْهِ قَوَدٌ، وَأَمَّا سُقُوطُهُ فِي الثَّانِيَةِ فَلِذَهَابِ مَنْفَعَةِ الْجِنْسِ بِقَطْعِ يُمْنَاهُ، وَأَمَّا فِي الْأَخِيرَتَيْنِ فَكَذَلِكَ وَأَوْلَى. وَلَا يَسْقُطُ الْقَطْعَ (إنْ كَانَ الذَّاهِبُ) بَعْدَ سَرِقَتِهِ (يُمْنَى) رِجْلَيْهِ (أَوْ يُسْرَى رِجْلَيْهِ أَوْ هُمَا)، أَيْ: رِجْلَيْهِ؛ لِبَقَاءِ مَنْفَعَةِ جِنْسِ الْمَقْطُوعَةِ. (وَالشَّلَّاءُ) مِنْ يَدٍ أَوْ رِجْلٍ (وَلَوْ أَمِنَ تَلَفَهُ بِقَطْعِهَا) كَمَعْدُومَةٍ (وَمَا ذَهَبَ مُعْظَمُ نَفْعِهَا) مِنْ يَدٍ أَوْ رِجْلٍ (كَمَعْدُومَةٍ) كَأَنْ ذَهَبَ مِنْهَا ثَلَاثُ أَصَابِعَ (لَا مَا) أَيْ يَدٍ أَوْ رِجْلٍ (ذَهَبَ مِنْهَا خِنْصِرٌ أَوْ بِنْصِرٌ) بِكَسْرِ الصَّادِ فِيهِمَا فَقَطْ (أَوْ) ذَهَبَ مِنْ يَدٍ أَوْ رِجْلٍ (أُصْبُعٌ سِوَاهُمَا) أَيْ الْخِنْصِرِ وَالْبِنْصِرِ (وَلَوْ) كَانَتْ الْإِصْبَعُ الذَّاهِبَةُ (الْإِبْهَامَ) فَلَيْسَتْ كَالْمَعْدُومَةِ؛ لِبَقَاءِ مُعْظَمِ نَفْعِهَا؛ فَيُقْطَعُ مِنْ السَّارِقِ مَا وَجَبَ قَطْعُهُ. (وَإِنْ وَجَبَ قَطْعُ يُمْنَاهُ) هُوَ، أَيْ: السَّارِقِ (فَقَطَعَ قَاطِعٌ يُسْرَاهُ) بِلَا إذْنِهِ عَمْدًا فَعَلَيْهِ (الْقَوَدُ) لِقَطْعِهِ عُضْوًا مَعْصُومًا، كَمَا لَوْ لَمْ يَجِبْ قَطْعُ يُمْنَاهُ (وَإِلَّا يَتَعَمَّدْ قَطْعَ يُسْرَاهُ؛ ف) عَلَيْهِ (الدِّيَةُ)؛ أَيْ: دِيَةُ الْيَدِ؛ لِأَنَّهُ خَطَأٌ. (وَلَا تُقْطَعُ يُمْنَى السَّارِقِ) بَعْدَ قَطْعِ يُسْرَاهُ؛ لِئَلَّا يُفْضِيَ إلَى تَعْطِيلِ مَنْفَعَةِ الْجِنْسِ. جَزَمَ بِهِ فِي التَّصْحِيحِ وَالنَّظْمِ، وَصَحَّحَهُ فِي الْإِنْصَافِ وَقَدَّمَهُ فِي الْمُنْتَهَى؛ لِأَنَّهُ لَوْ سَرَقَ مَرَّةً ثَالِثَةً لَا تُقْطَعُ يُسْرَى يَدَيْهِ كَمَا تَقَدَّمَ (وَفِي التَّنْقِيحِ بَلَى) قَالَ: وَإِنْ قَطَعَ الْقَاطِعُ يُسْرَاهُ عَمْدًا أَوْ خَطَأً قُطِعَتْ يُمْنَاهُ. وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ. (وَيَجْتَمِعُ قَطْعٌ وَضَمَانٌ) عَلَى سَارِقٍ نَصًّا؛ لِأَنَّهُمَا حَقَّانِ يَجِبَانِ لِمُسْتَحِقَّيْنِ؛ فَجَازَ اجْتِمَاعُهُمَا كَالْجَزَاءِ وَالْقِيمَةِ فِي صَيْدِ مَمْلُوكٍ مِنْ الْحَرَمِ. إذَا تَقَرَّرَ هَذَا (فَيَرُدُّ) سَارِقٌ مَا سَرَقَهُ (لِمَالِكِهِ، وَإِنْ تَلَفَ) مَسْرُوقٌ فَعَلَى سَارِقٍ (بَدَلُهُ) وَيَكُونُ مِثْلَ مِثْلَيْ وَقِيمَةَ مُتَقَوِّمٍ؛ مُوسِرًا كَانَ أَوْ مُعْسِرًا. وَمَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ مَرْفُوعًا: «إذَا أَقَمْتُمْ الْحَدَّ عَلَى السَّارِقِ فَلَا غُرْمَ عَلَيْهِ».
قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ الْحَدِيثُ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ (وَيُعِيدُ) السَّارِقُ (مَا خَرَّبَ مِنْ حِرْزٍ) مُحْتَرَمٍ بِالنِّسْبَةِ لَهُ، لِتَعَدِّيهِ، لَا إنْ كَانَ لَهُ شُبْهَةٌ فِي هَتْكِهِ وَمِثْلُهُ مُحْرَزٌ كَمَا لَوْ سَرَقَ حَدِيدًا وَصَنَعَهُ إبَرًا، أَوْ أَوْ سَرَقَ ثَوْبًا، وَقَطَعَهُ، فَعَلَيْهِ إعَادَةُ الْإِبَرِ كَمَا كَانَتْ، وَرَدُّ الثَّوْبِ مَعَ أَرْشِ النَّقْصِ، لِتَعَدِّيهِ بِذَلِكَ كَالْغَاصِبِ. (وَعَلَيْهِ)؛ أَيْ: السَّارِقِ (أُجْرَةُ قَاطِعٍ) يَدَهُ أَوْ رِجْلَهُ؛ لِأَنَّ الْقَطْعَ حَقٌّ وَجَبَ عَلَيْهِ الْخُرُوجُ مِنْهُ، فَكَانَتْ مُؤْنَتُهُ عَلَيْهِ كَسَائِرِ الْحُقُوقِ (وَ) عَلَيْهِ (ثَمَنُ زَيْتٍ حُسِمَ) حِفْظًا لِنَفْسِهِ؛ إذْ لَا يُؤْمَنُ عَلَيْهَا التَّلَفُ بِدُونِهِ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ وَالنَّظْمِ وَتَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ.

.بَابُ حَدِّ قُطَّاعِ الطَّرِيقِ:

وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى: {إنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا} الْآيَةَ.
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَأَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ نَزَلَتْ فِي قُطَّاعِ الطَّرِيقِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى بَعْدَ ذَلِكَ: {إلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ} وَالْكُفَّارُ تُقْبَلُ تَوْبَتُهُمْ بَعْدَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِمْ وَقَبْلَهَا، وَأَمَّا الْحَدُّ فَلَا يَسْقُطُ بِالتَّوْبَةِ بَعْدَ وُجُوبِهِ. (وَهُمْ الْمُكَلَّفُونَ الْمُلْتَزِمُونَ) مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَأَهْلِ ذِمَّةٍ وَيُنْتَقَضُ بِهِ عَهْدُهُمْ (وَلَوْ) كَانَ الْمُكَلَّفُ الْمُلْتَزِمُ (أُنْثَى)؛ لِأَنَّهَا تُقْطَعُ فِي السَّرِقَةِ، فَلَزِمَهَا حُكْمُ الْمُحَارَبَةِ كَالرَّجُلِ بِجَامِعِ التَّكْلِيفِ (الَّذِينَ يَعْرِضُونَ لِلنَّاسِ بِسِلَاحٍ وَلَوْ) كَانَ سِلَاحُهُمْ (عِصِيًّا أَوْ حَجَرًا فِي صَحْرَاءَ أَوْ بُنْيَانٍ أَوْ بَحْرٍ) لِعُمُومِ الْآيَةِ بَلْ ضَرَرُهُمْ فِي الْبُنْيَانِ أَعْظَمُ (فَيَغْصِبُونَ مَالًا مُحْتَرَمًا مُجَاهَرَةً) فَخَرَجَ الصَّغِيرُ وَالْمَجْنُونُ وَالْحَرْبِيُّ وَمَنْ يَعْرِضُ لِنَحْوِ صَيْدٍ، أَوْ يَعْرِضُ لِلنَّاسِ بِلَا سِلَاحٍ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَمْنَعُونَ مَنْ قَصَدَهُمْ، وَخَرَجَ أَيْضًا مَنْ يَغْصِبُ نَحْوَ كَلْبٍ أَوْ سِرْجِينٍ نَجِسٍ أَوْ مَالٍ حَرْبِيٍّ وَنَحْوِهِ (وَمَنْ يَأْخُذُ خِفْيَةً)؛ لِأَنَّهُ سَارِقٌ، وَأَمَّا الْمُحَارِبُ فَيَعْتَصِمُ بِالْقِتَالِ دُونَ الْخُفْيَةِ؛ إذَا تَقَرَّرَ هَذَا فَإِنْ أَخَذُوا الْمَالَ مُخْتَفِينَ فَهُمْ (سُرَّاقٌ)؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَرْجِعُونَ إلَى مَنَعَةٍ وَقُوَّةٍ، فَلَيْسُوا بِمُحَارِبِينَ (وَ) إنْ خَطَفُوا الْمَالَ (خَطْفًا) وَهَرَبُوا بِهِ (ف) هُوَ (نَهْبٌ لَا قَطْعٌ عَلَيْهِمْ). لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا قُطَّاعَ طَرِيقٍ. (وَيُعْتَبَرُ) لِوُجُوبِ قَطْعِ الْمُحَارَبَةِ ثَلَاثُ شُرُوطٍ: أَحَدُهَا (ثُبُوتُهُ)؛ أَيْ: قَطْعِ الطَّرِيقِ (بِبَيِّنَةٍ أَوْ إقْرَارٍ مَرَّتَيْنِ) كَالسَّرِقَةِ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ.
(وَ) الثَّانِي (الْحِرْزُ) بِأَنْ يَأْخُذَهُ مِنْ يَدِ مُسْتَحِقِّيهِ وَهُوَ بِالْقَافِلَةِ، فَلَوْ وَجَدَهُ أَوْ أَخَذَهُ مِنْ سَارِقِهِ أَوْ غَاصِبِهِ أَوْ مُنْفَرِدًا عَنْ قَافِلَةٍ، لَمْ يَكُنْ مُحَارِبًا (وَ) الثَّالِثُ (النِّصَابُ) الَّذِي يُقْطَعُ بِهِ السَّارِقُ (فَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ) مِنْ الْمُحَارِبِينَ (وَقَدْ قَتَلَ) إنْسَانًا فِي الْمُحَارَبَةِ، وَلَوْ كَانَ الْقَتْلُ بِمُثْقَلٍ أَوْ سَوْطٍ أَوْ عِصِيٍّ وَلَوْ قَتَلَ (مَنْ لَا يُقَادُ بِهِ) الْمُحَارِبُ لَوْ قَتَلَهُ فِي غَيْرِ الْمُحَارَبَةِ (كَوَلَدِهِ وَكَقِنٍّ) يَقْتُلُهُ حُرٌّ (وَكَذِمِّيٍّ) يَقْتُلُهُ مُسْلِمٌ، وَكَانَ قَتْلُ كُلٍّ مِمَّنْ ذُكِرَ لِقَصْدِ مَالِهِ، وَأَخَذَ مَالًا، (قُتِلَ حَتْمًا وَلَوْ عَفَا وَلِيٌّ) لِوُجُوبِهِ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى كَالْقَطْعِ فِي السَّرِقَةِ (ثُمَّ صُلِبَ عَقِبَهُ)؛ أَيْ بَعْدَ الْقَتْلِ وَقَبْلَ التَّغْسِيلِ وَالتَّكْفِينِ (قَاتَلَ مَنْ يُقَادُ بِهِ) لَوْ قَتَلَهُ فِي الْمُحَارَبَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا} (حَتَّى يَشْتَهِرَ) فَيَرْتَدِعَ غَيْرُهُ بِهِ، ثُمَّ يُنْزَلُ (أَوْ يُغَسَّلُ وَيُكَفَّنُ وَيُصَلَّى عَلَيْه ثُمَّ يُصْلَبُ بَعْدَ ذَلِكَ)، وَكِلَاهُمَا جَائِزٌ إذْ الْمَقْصُودُ مِنْ صَلْبِهِ زَجْرُ غَيْرِهِ، وَهُوَ حَاصِلٌ، سَوَاءٌ كَانَ قَبْلَ التَّغْسِيلِ وَالتَّكْفِينِ أَوْ بَعْدَهُ (وَلَا يُقْطَعُ مَعَ ذَلِكَ)؛ أَيْ: مَعَ الْقَتْلِ وَالصَّلْبِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُذْكَرْ مَعَهَا فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ الَّذِي رَوَاهُ عَنْهُ الشَّافِعِيُّ بِإِسْنَادِهِ: ( «إذَا قَتَلُوا وَأَخَذُوا الْمَالَ قُتِلُوا وَصُلِبُوا، وَإِذَا قَتَلُوا وَلَمْ يَأْخُذُوا الْمَالَ قُتِلُوا وَلَمْ يُصْلَبُوا، وَإِذَا أَخَذُوا الْمَالَ، وَلَمْ يَقْتُلُوا؛ قُطِعَتْ أَيْدِيهُمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ، وَإِذَا أَخَافُوا السَّبِيلَ وَلَمْ يَأْخُذُوا مَالًا؛ نُفُوا مِنْ الْأَرْضِ») وَرَوَى نَحْوَهُ مَرْفُوعًا، وَلِأَنَّ الْقَتْلَ وَالْقَطْعَ عُقُوبَتَانِ تَتَضَمَّنُ إحْدَاهُمَا الْأُخْرَى؛ لِأَنَّ إتْلَافَ الْبَدَنِ يَتَضَمَّنُ إتْلَافَ الْيَدِ وَالرِّجْلِ، فَاكْتَفَى بِقَتْلِهِ، كَمَا لَوْ قَطَعَ يَدَ إنْسَانٍ وَرِجْلَهُ ثُمَّ قَتَلَهُ فِي الْحَالِ. (وَلَوْ مَاتَ) مَنْ قَتَلَ مَنْ يُكَافِئُهُ فِي الْمُحَارَبَةِ (أَوْ قُتِلَ قَبْلَ قَتْلِهِ لِلْمُحَارَبَةِ؛ لَمْ يُصْلَبْ) لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ فِيهِ، وَهِيَ إشْهَارُ أَمْرِهِ فِي الْقَتْلِ فِي الْمُحَارَبَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُقْتَلْ فِيهَا وَكَذَا قَاتِلُ مَنْ لَا يُكَافِئُهُ كَوَلَدِهِ وَذِمِّيٍّ وَقِنٍّ. (وَلَا يَتَحَتَّمُ قَوَدٌ فِيمَا دُونَ نَفْسٍ) عَلَى مُحَارِبٍ، فَإِنْ قَطَعَ يَدًا أَوْ رِجْلًا وَنَحْوَهُمَا، فَلِوَلِيِّ الْجِنَايَةِ الْقَوَدُ أَوْ الْعَفْوُ؛ لِأَنَّ الْقَوَدَ إنَّمَا يَتَحَتَّمُ إذَا قُتِلَ؛ لِأَنَّهُ حَدُّ الْمُحَارَبَةِ؛ بِخِلَافِ الطَّرَفِ؛ فَإِنَّهُ يُسْتَوْفَى قِصَاصًا لَا حَدًّا، فَيَكُونُ حُكْمُهُ كَغَيْرِ الْمُحَارِبِ، فَإِذَا عَفَا وَلِيُّ الْقَوَدِ؛ سَقَطَ لِذَلِكَ، جَزَمَ بِهِ فِي التَّنْقِيحِ وَتَبِعَهُ فِي الْمُنْتَهَى وَهُوَ الْمَذْهَبُ؛ وَقَطَعَ بِهِ فِي الْإِقْنَاعِ يَتَحَتَّمُ الْقَوَدُ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ إذَا كَانَ قَدْ قَتَلَ بَعْدَ أَنَّ جَنَى عَلَى غَيْرِ الْمَقْتُولِ، فَهُنَا يَتَحَتَّمُ قَتْلُهُ، وَعِبَارَةُ الْإِنْصَافِ تُوهِمُ ذَلِكَ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ فِي النَّفْسِ بِتَحَتُّمِ الْقَوَدِ فِي النَّفْسِ؛ لِأَنَّهُ يَسْقُطُ التَّحَتُّمُ فِي الطَّرَفِ؛ لِأَنَّ الْمَذْهَبَ أَنَّهُ لَا يَتَحَتَّمُ. (وَرِدْءُ) مُحَارِبٍ: مُبْتَدَأٌ؛ أَيْ مُسَاعِدُهُ وَمُعِينِهِ إنْ احْتَاجَ إلَيْهِ (وَطُلَيْعٌ) يَكْشِفُ لِلْمُحَارِبِ حَالَ الْقَافِلَةِ لِيَأْتُوا إلَيْهَا (كَمُبَاشِرٍ): خَبَرٌ، كَاشْتِرَاكِ الْجَيْشِ فِي الْغَنِيمَةِ إذَا دَخَلُوا دَارَ الْحَرْبِ وَبَاشَرَ بَعْضُهُمْ الْقِتَالَ وَوَقَفَ الْبَاقُونَ لِلْحِرَاسَةِ مِمَّنْ يَدْهَمُهُمْ مِنْ وَرَائِهِمْ، وَكَذَا الْعَيْنُ الَّذِي يُرْسِلُهُ الْإِمَامُ لِيَعْرِفَ أَحْوَالَ الْعَدُوِّ، وَظَاهِرُهُ فِي ضَمَانِ الْمَالِ، هَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. (فَرِدْءُ غَيْرِ مُكَلَّفٍ كَهُوَ)؛ أَيْ: كَالْمُبَاشِرِ غَيْرِ الْمُكَلَّفِ، وَلَا حَدَّ؛ لِأَنَّ الرِّدْءَ تَبَعٌ لِلْمُبَاشِرِ، وَدِيَةُ قَتْلِ غَيْرِ مُكَلَّفٍ عَلَى عَاقِلَتِهِ. (وَلَوْ قَتَلَ بَعْضُهُمْ)؛ أَيْ؛ الْمُحَارِبِينَ الْمُكَلَّفِينَ، وَلَمْ يَأْخُذْ أَحَدٌ مِنْهُمْ مَالًا (وَيَتَّجِهُ بِاحْتِمَالٍ قَوِيٍّ لَا) إنْ كَانَ الْقَتْلُ (خَطَأً) أَوْ مِمَّنْ بِهِ جُنُونٌ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ (ثَبَتَ حُكْمُ الْقَتْلِ فِي حَقِّ جَمِيعِهِمْ) فَإِنْ قَدَرَ عَلَيْهِمْ قَبْلَ أَنْ يَتُوبُوا قُتِلَ مَنْ قَتَلَ وَمَنْ لَمْ يَقْتُلْ، لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ حُكْمَ الرِّدْءِ حُكْمُ الْمُبَاشِرِ. (وَإِنْ قَتَلَ بَعْضٌ مِنْهُمْ) لِأَخْذِ الْمَالِ (وَأَخَذَ الْمَالَ بَعْضٌ آخَرُ؛ تَحَتَّمَ قَتْلُ الْجَمِيعِ وَصَلْبُهُمْ) كَمَا لَوْ فَعَلَ ذَلِكَ كُلٌّ مِنْهُمْ. (وَيَتَّجِهُ إهْدَارُ دَمٍ مُتَحَتِّمٍ)؛ أَيْ: إذَا تَحَتَّمَ قَتْلُ شَخْصٍ مِنْ الْمُحَارَبِينَ وَقَتَلَهُ غَيْرُ الْحَاكِمِ فَلَا غُرْمَ عَلَيْهِ وَلَا إثْمَ؛ لِأَنَّ دَمَهُ مُهْدَرٌ كَالْحَرْبِيِّ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَإِنْ قُتِلَ) مُحَارِبٌ (فَقَطْ لِقَصْدِ الْمَالِ؛ قُتِلَ حَتْمًا، وَلَمْ يُصْلَبْ) لِمَا تَقَدَّمَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَلِأَنَّ جِنَايَتَهُمْ بِالْقَتْلِ، وَأَخْذِ الْمَالِ تَزِيدُ عَلَى جِنَايَتِهِمْ بِالْقَتْلِ وَحْدَهُ، فَوَجَبَ اخْتِلَافُ الْعُقُوبَتَيْنِ. (وَإِنْ لَمْ يَقْتُلْ) مُحَارِبٌ (وَأَخَذَ نِصَابًا لَا شُبْهَةَ لَهُ فِيهِ) مِنْ بَيْنِ الْقَافِلَةِ (لَا مِنْ مُفْرَدٍ عَنْ قَافِلَةٍ؛ قُطِعَتْ يَدُهُ)؛ أَيْ: يَدُ كُلِّ مِنْ الْمُحَارِبِينَ (الْيُمْنَى ثُمَّ رِجْلُهُ الْيُسْرَى فِي مَقَامٍ وَاحِدٍ حَتْمًا) فَلَا يَنْتَظِرُ بِقَطْعِ إحْدَاهُمَا انْدِمَالَ الْأُخْرَى؛ لِأَنَّهُ تَعَالَى أَمَرَ بِقَطْعِهِمَا بِلَا تَعَرُّضٍ لِتَأْخِيرٍ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: [{مِنْ خِلَافٍ} وَرِفْقًا بِهِ فِي إمْكَانِ مَشْيِهِ،] وَالْأَمْرُ لِلْفَوْرِ فَتُقْطَعُ يُمْنَى يَدَيْهِ، وَتُحْسَمُ، ثُمَّ رِجْلُهُ الْيَسَرَيْ وَتُحْسَمُ (وَحُسِمَتَا) وُجُوبًا؛ لِحَدِيثِ: «اقْطَعُوهُ وَاحْسِمُوهُ» (وَخُلِّيَ) سَبِيلَهُ؛ لِاسْتِيفَاءِ مَا لَزِمَهُ كَالْمَدِينِ يُوفِي دَيْنَهُ (فَلَوْ كَانَتْ يَدُهُ الْيُسْرَى مَفْقُودَةً) قُطِعَتْ رِجْلُهُ الْيُسْرَى فَقَطْ (أَوْ) كَانَتْ (يَمِينُهُ؛ شَلَّاءَ أَوْ) كَانَتْ يَمِينُهُ (مَقْطُوعَةً أَوْ) كَانَتْ يَمِينُهُ (مُسْتَحَقَّةً فِي قَوَدٍ؛ قُطِعَتْ رِجْلُهُ الْيُسْرَى فَقَطْ) لِئَلَّا تَذْهَبَ مَنْفَعَةُ جِنْسِ الْيَدِ (وَإِنْ عَدِمَ يَمِينَ يَدَيْهِ، لَمْ تُقْطَعْ يُمْنَى رِجْلَيْهِ) بَلْ يُسْرَاهُمَا فَقَطْ كَمَا تَقَدَّمَ. (وَإِنْ حَارَبَ) مَرَّةً (ثَانِيَةً) بَعْدَ قَطْعِ يُمْنَى يَدَيْهِ وَيُسْرَى رِجْلَيْهِ (لَمْ يُقْطَعْ مِنْهُ شَيْءٌ) لِمَا تَقَدَّمَ فِي السَّارِقِ، وَقِيَاسُهُ أَنَّهُ يُحْبَسُ حَتَّى يَتُوبَ (وَيَتَعَيَّنُ دِيَةُ قَوَدٍ لَزِمَ بَعْدَ مُحَارَبَتِهِ) بِأَنْ قَتَلَ بَعْدَهُمَا عَمْدًا مُكَافِئًا (لِتَقْدِيمِهَا)؛ أَيْ: الْمُحَارَبَةِ (بِسَبَقِهَا، وَكَذَا لَوْ مَاتَ) مُحَارِبٌ لَزِمَهُ قَوَدٌ بَعْدَ مُحَارَبَتِهِ (قَبْلَ قَتْلِهِ لِلْمُحَارَبَةِ) فَتَتَعَيَّنُ الدِّيَةُ؛ لِفَوَاتِ مَحَلِّ الْقَوَدِ (وَإِنْ لَمْ يَقْتُلْ) أَحَدٌ مِنْ الْمُحَارِبِينَ أَحَدًا (وَلَا أَخَذَ مَالًا يَبْلُغُ نِصَابًا لَا شُبْهَةَ لَهُ فِيهِ مِنْ حِرْزِهِ نُفِيَ وَشُرِّدَ وَلَوْ قِنًّا) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَوْ يُنْفَوْا مِنْ الْأَرْضِ} وَمَا تَقَدَّمَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّفْيَ يَكُونُ فِي هَذَا الْحَالِ، وَلِأَنَّ الْمُنَاسِبَ أَنْ يَكُونَ الْأَخَفُّ بِإِزَاءِ الْأَخَفِّ، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ أَوْ فِي الْآيَةِ لَيْسَتْ لِلتَّخْيِيرِ، وَلَا لِلشَّكِّ، بَلْ لِلتَّنْوِيعِ (فَلَا يُتْرَكُ يَأْوِي إلَى بَلَدٍ حَتَّى تَظْهَرَ تَوْبَتُهُ) عَنْ قَطْعِ الطَّرِيقِ (وَتُنْفَى الْجَمَاعَةُ مُتَفَرِّقَةً) كُلٌّ إلَى جِهَةٍ لِئَلَّا يَجْتَمِعُوا عَلَى الْمُحَارَبَةِ ثَانِيًا. (وَمَنْ تَابَ مِنْهُمْ)؛ أَيْ: الْمُحَارِبِينَ (قَبْلَ قُدْرَةٍ عَلَيْهِ سَقَطَ عَنْهُ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ صَلْبٍ وَقَطْعِ) يَدٍ أَوْ رِجْلٍ (وَنَفْيٍ وَتَحَتُّمِ قَتْلٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (وَكَذَا خَارِجِيٌّ وَبَاغٍ وَمُرْتَدٌّ وَمُحَارِبٌ) تَابَ قَبْلَ قُدْرَةٍ عَلَيْهِ، وَأَمَّا مَنْ تَابَ مِنْهُمْ بَعْدَ قُدْرَةٍ عَلَيْهِ؛ فَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ شَيْءٌ مِمَّا وَجَبَ عَلَيْهِ؛ لِمَفْهُومِ قَوْله تَعَالَى: {مَنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ} وَلِأَنَّ ظَاهِرَ حَالِ مَنْ تَابَ قَبْلَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ أَنَّ تَوْبَتَهُ تَوْبَةُ إخْلَاصٍ، وَمَا بَعْدَهَا فَالظَّاهِرُ أَنَّهَا تَوْبَةُ تَقِيَّةٍ مِنْ إقَامَةِ الْحَدِّ عَلَيْهِ، وَلِأَنَّ فِي قَبُولِ تَوْبَتِهِ قَبْلَ الْحَدِّ تَرْغِيبًا لَهُ فِيهَا، بِخِلَافِ مَا بَعْدَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ؛ فَإِنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى تَرْغِيبِهِ فِيهَا. (وَيُؤْخَذُ ذِمِّيٌّ) وَمُعَاهَدٌ وَمُسْتَأْمَنٌ (أَسْلَمَ بِحَقِّ اللَّهِ) تَعَالَى: إنْ وَجَبَ عَلَيْهِ حَالَ كُفْرِهِ كَنَذْرٍ وَكَفَّارَةٍ لَا حَدِّ زِنًا وَنَحْوِهِ (بِحَقِّ آدَمِيٍّ طَلَبَهُ مِنْ قِصَاصٍ فِي نَفْسٍ أَوْ دُونَهَا وَغَرَامَةِ مَالٍ وَدِيَةِ مَا لَا قِصَاصَ فِيهِ وَحَدِّ قَذْفٍ كَمَا قَبْلَ الْإِسْلَامِ وقَوْله تَعَالَى: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ}) وَحَدِيثُ: «الْإِسْلَامُ يَجُبُّ مَا قَبْلَهُ» فِي الْحَرْبِيِّينَ، أَوْ خَاصٌّ فِي الْكُفْرِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ. (وَمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ حَدُّ سَرِقَةٍ أَوْ) حَدُّ (زِنًا أَوْ) حَدُّ (شُرْبٍ، فَتَابَ) مِنْهُ (قَبْلَ ثُبُوتِهِ) عِنْدَ حَاكِمٍ (سَقَطَ) عَنْهُ (بِمُجَرَّدِ تَوْبَتِهِ قَبْلَ إصْلَاحِ عَمَلٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاَللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآذُوهُمَا فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا} وَقَوْلِهِ بَعْدَ ذِكْرِ حَدِّ السَّارِقِ: {فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ} وَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [«التَّائِبُ مِنْ الذَّنْبِ كَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ». وَلِإِعْرَاضِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] عَنْ الْمُقِرِّ بِالزِّنَا حَتَّى أَقَرَّ أَرْبَعًا. فَإِنْ ثَبَتَ عِنْدَ الْحَاكِمِ لَمْ يَسْقُطْ بِالتَّوْبَةِ؛ لِحَدِيثِ: «تَعَافُوا الْحُدُودَ فِيمَا بَيْنَكُمْ، فَمَا بَلَغَنِي مِنْ حَدٍّ فَقَدْ وَجَبَ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ (ك) مَا يَسْقُطُ حَدُّهُ مُطْلَقًا (بِمَوْتٍ) لِفَوَاتِ مَحَلِّهِ كَسُقُوطِ غُسْلِ مَا ذَهَبَ مِنْ أَعْضَاءِ الطَّهَارَةِ.
(وَيَتَّجِهُ) لَوْ ادَّعَى مُدَّعٍ عَلَى شَخْصٍ بِمُوجَبِ حَدٍّ، فَأَنْكَرَ، فَشَهِدَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ بِمُوجَبِ الْحَدِّ، فَادَّعَى وُقُوعَ ذَلِكَ مِنْهُ وَأَنَّهُ تَابَ قَبْلَ ثُبُوتِهِ عَلَيْهِ ظَانًّا أَنَّهُ يَدْرَأُ عَنْهُ الْحَدَّ (لَا يُقْبَلُ دَعْوَاهُ تَقَدُّمَ تَوْبَتِهِ) عَلَى الثُّبُوتِ، كَمَا لَوْ تَابَ بَعْدَهُ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ.

.فَصْلٌ: [دفع الصائل]:

(وَمَنْ أُرِيدَتْ)؛ أَيْ: قُصِدَتْ (نَفْسُهُ) لِيُقْتَلَ (أَوْ) يُفْعَلَ بِهَا الْفَاحِشَةُ، أَوْ أُرِيدَتْ (حُرْمَتُهُ) كَأُمِّهِ أَوْ أُخْتِهِ أَوْ زَوْجَتِهِ وَنَحْوِهِنَّ لِزِنًا أَوْ قَتْلٍ، أَوْ أُرِيدَ أَخْذُ مَالِهِ (وَلَوْ قَلَّ) مَا أُرِيدَ مِنْ مَالِهِ (أَوْ لَمْ يَكْفِ) مَنْ أُرِيدَتْ نَفْسُهُ أَوْ حُرْمَتُهُ أَوْ مَالُهُ (الْمَرِيدَ) لِذَلِكَ (فَلَهُ دَفْعُهُ) عَنْ نَفْسِهِ وَحُرْمَتِهِ وَمَالِهِ (إنْ لَمْ يَخَفْ) الدَّافِعُ (مُبَادَرَتَهُ لَهُ بِالْقَتْلِ بِأَسْهَلِ مَا)؛ أَيْ: شَيْءٍ (يَظُنُّ انْدِفَاعَهُ بِهِ)؛ لِأَنَّهُ لَوْ مُنِعَ مِنْ ذَلِكَ لَأَدَّى إلَى تَلَفِهِ وَأَذًى فِي نَفْسِهِ وَحُرْمَتِهِ وَمَالِهِ، وَلِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ لَتَسَلَّطَ النَّاسُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ [، وَأَدَّى إلَى الْهَرَجِ وَالْمَرَجِ، وَلِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ]. قَالَ: «جَاءَ رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ إنْ جَاءَ رَجُلٌ يُرِيدُ أَخْذَ مَالِي؟ قَالَ: فَلَا تُعْطِهِ قَالَ: أَرَأَيْتَ إنْ قَاتَلَنِي؟ قَالَ: قَاتِلْهُ قَالَ: أَرَأَيْتَ إنْ قَتَلَنِي؟ قَالَ: فَأَنْتَ شَهِيدٌ؟ قَالَ: أَرَأَيْتَ إنْ قَتَلْتُهُ؟ قَالَ: هُوَ فِي النَّارِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ. وَفِي لَفْظٍ لِأَحْمَدَ أَنَّهُ قَالَ لَهُ: «أَوَّلًا أَنْشِدْهُ اللَّهَ قَالَ: فَإِنْ أَبَى عَلَيَّ؟ قَالَ: قَاتِلْهُ». لِأَنَّ الْغَرَضَ مِنْ ذَلِكَ الدَّفْعُ؛ فَإِنْ انْدَفَعَ بِالْأَسْهَلِ حَرُمَ الْأَصْعَبُ؛ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ (فَإِنْ لَمْ يَنْدَفِعْ إلَّا بِالْقَتْلِ أُبِيحَ) قَتْلُهُ (وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ) لِظَاهِرِ الْخَبَرِ (وَإِنْ قُتِلَ) الدَّافِعُ (كَانَ شَهِيدًا) لِلْخَبَرِ، (وَمَعَ عِلْمِ مَزْحٍ) يَحْرُمُ عَلَى دَافِعٍ (قَتْلٌ، وَيُقَادُ بِهِ) لِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى الدَّفْعِ إذَنْ. (وَلَا يَضْمَنُ بَهِيمَةً صَالَتْ عَلَيْهِ) وَلَمْ تَنْدَفِعْ بِدُونِ قَتْلٍ، فَقَتَلَهَا دَفْعًا عَنْ نَفْسِهِ أَوْ حُرْمَتِهِ أَوْ مَالِهِ كَصَغِيرٍ وَمَجْنُونٍ صَائِلٍ بِجَامِعِ الصَّوْلِ. (وَلَا) يَضْمَنُ إذَا قَتَلَ (مَنْ دَخَلَ مَنْزِلَهُ مُتَلَصِّصًا)؛ أَيْ: طَالِبًا لِلسَّرِقَةِ (حَيْثُ دَفَعَهُ بِالْأَسْهَلِ) فَيَأْمُرُهُ رَبُّ الْمَنْزِلِ أَوَّلًا بِالْخُرُوجِ، فَإِنْ خَرَجَ لَمْ يَفْعَلْ بِهِ شَيْئًا؛ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ، فَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ ضَرَبَهُ بِأَسْهَلِ مَا يَظُنُّهُ أَنَّهُ يَنْدَفِعُ بِهِ، فَإِنْ انْدَفَعَ بِعَصَى لَمْ يَضْرِبْهُ بِحَدِيدٍ، وَإِنْ وَلَّى هَارِبًا لَمْ يَقْتُلْهُ وَلَمْ يَتْبَعْهُ كَالْبُغَاةِ، وَإِنْ ضَرَبَهُ ضَرْبَةً غَلِيظَةً لَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَيْهِ أَرْشٌ؛ لِأَنَّهُ، كُفِيَ، شَرُّهُ، وَإِنْ ضَرَبَهُ فَقَطَعَ يَمِينَهُ فَوَلَّى هَارِبًا، فَضَرَبَهُ فَقَطَعَ رِجْلَهُ؛ ضَمِنَهَا بِخِلَافِ الْيَدِ، فَإِنْ مَاتَ بِسِرَايَةِ الْقَطْعَيْنِ؛ فَعَلَيْهِ نِصْفُ الدِّيَةِ، وَإِنْ عَادَ إلَيْهِ بَعْدَ قَطْعِ رِجْلِهِ، فَقَطَعَ يَدَهُ الْأُخْرَى؛ فَالْيَدَانِ غَيْرُ مَضْمُونَتَيْنِ. (فَإِنْ) قَتَلَ رَجُلًا، وَ(ادَّعَى أَنَّهُ هَجَمَ مَنْزِلَهُ، وَلَمْ يُمْكِنْهُ دَفْعُهُ إلَّا بِقَتْلِهِ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ) بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ؛ لِحَدِيثِ: «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ». (وَيَتَّجِهُ) مَحَلُّ مَا ذَكَرَ مِنْ عَدَمِ قَبُولِ قَوْلِهِ (حَيْثُ لَا قَرِينَةَ) فَإِنْ كَانَتْ ثَمَّ قَرِينَةٌ عَلَى صِدْقِ دَعْوَاهُ بِأَنْ كَانَ الْمَقْتُولُ مَشْهُورًا بِالْفَسَادِ وَالتَّسَلُّطِ عَلَى نَهْبِ أَمْوَالِ الْعِبَادِ؛ فَلَا مَانِعَ مِنْ قَبُولِ قَوْلِ رَبِّ الْمَنْزِلِ بِلَا بَيِّنَةٍ؛ حَيْثُ كَانَ ثِقَةً مَشْهُورًا بِالْعَدَالَةِ، لِدَلَالَةِ الْحَالِ كَمَا لَا يَخْفَى، وَهُوَ مُتَّجِهٌ لَكِنَّهُ مَرْجُوحٌ؛ لِمُخَالَفَتِهِ صُنْعَ الْمُتَأَخِّرِينَ إذَا تَقَرَّرَ هَذَا فَعَلَى الْقَاتِلِ الْقَوَدُ. (وَلَوْ عُرِفَ) الْمَقْتُولُ (بِسَرِقِهِ) قَبْلَ ذَلِكَ، فَإِنْ شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ أَنَّهُمْ رَأَوْا الْمَقْتُولَ مُقْبِلًا إلَى الْقَاتِلِ بِسِلَاحٍ مَشْهُورٍ، فَضَرَبَهُ هَذَا الْقَاتِلُ؛ فَدَمُهُ هَدَرٌ؛ لِثُبُوتِ صِيَالَتِهِ عَلَيْهِ، وَإِنْ شَهِدُوا أَنَّهُمْ رَأَوْا الْمَقْتُولَ دَاخِلَ دَارِهِ، وَلَمْ يَذْكُرُوا سِلَاحًا أَوْ ذَكَرُوا سِلَاحًا غَيْرَ مَشْهُورٍ؛ لَمْ يَسْقُطْ الْقَوَدُ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَدْخُلُ لِحَاجَةٍ. (وَيَجِبُ دَفْعُهُ عَنْ حَرِيمِهِ) إذَا أَرَدْنَ نَصًّا، فَمَنْ رَأَى مَعَ امْرَأَتِهِ أَوْ بِنْتِهِ وَنَحْوِهَا رَجُلًا يَزْنِي بِهَا أَوْ مَعَ وَلَدِهِ، وَنَحْوِهِ رَجُلًا كَانَ يَلُوطُ بِهِ؛ وَجَبَ عَلَيْهِ قَتْلُهُ إنْ لَمْ يَنْدَفِعْ بِدُونِهِ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي بِهِ حَقَّ اللَّهِ مِنْ الْكَفِّ عَنْ الْفَاحِشَةِ وَحَقَّ نَفْسِهِ بِالْمَنْعِ عَنْ أَهْلِهِ؛ فَلَا يَسَعُهُ إضَاعَةُ الْحَقَّيْنِ (وَكَذَا) يَجِبُ الدَّفْعُ (فِي غَيْرِ فِتْنَةٍ عَنْ نَفْسِهِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إلَى التَّهْلُكَةِ} فَكَمَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ قَتْلُ نَفْسِهِ يَحْرُمُ عَلَيْهِ إبَاحَتُهَا (وَ) كَذَا يَجِبُ الدَّفْعُ فِي غَيْرِ فِتْنَةٍ عَنْ (نَفْسِ غَيْرِهِ)؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ مِنْهُمْ إيثَارُ الشَّهَادَةِ كَإِحْيَائِهِ بِبَذْلِ طَعَامِهِ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ، فَإِنْ كَانَ ثَمَّ فِتْنَةٌ لَمْ يَجِبْ الدَّفْعُ عَنْ نَفْسِهِ وَلَا نَفْسِ غَيْرِهِ، لِقِصَّةِ عُثْمَانَ (لَا عَنْ مَالِهِ)؛ أَيْ: لَا يَجِبُ عَلَيْهِ دَفْعُ مَنْ أَرَادَ مَالَهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ مِنْ الْمَحْذُورِ مَا فِي النَّفْسِ (وَلَا يَلْزَمُهُ)؛ أَيْ: رَبَّ الْمَالِ (حِفْظُهُ عَنْ الضَّيَاعِ وَالْهَلَاكِ) ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ. (وَيَتَّجِهُ) عَدَمُ لُزُومِ حِفْظِهِ مَالَهُ عَنْ الضَّيَاعِ وَالْهَلَاكِ (مَا لَمْ تَضِعْ عَائِلَتُهُ) بِسَبَبِ ذَلِكَ، أَمَّا إنْ خَشِيَ ضَيَاعَ عَائِلَتِهِ؛ فَيَلْزَمُهُ حِفْظُ مَالِهِ مِنْ أَجْلِهَا، (أَوْ) مَا لَمْ (يَعْجَزْ عَنْ وَفَاءِ دَيْنِهِ) فَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ إذَا تَرَكَ مَالَهُ يَضِيعُ لَا يَقْدِرُ عَلَى وَفَاءِ دَيْنِهِ؛ وَجَبَ عَلَيْهِ حِفْظُ مَالِهِ تَبْرِئَةً لِذِمَّتِهِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَلَهُ بَذْلُهُ)؛ أَيْ: بَذْلُ مَالَهُ (لِظَالِمٍ) أَرَادَهُ مِنْهُ، وَلَوْ (أَمْكَنَهُ دَفْعُهُ) ذَكَرَ الْقَاضِي أَنَّ بَذْلَهُ أَفْضَلُ مِنْ الدَّفْعِ عَنْهُ، وَأَنَّ حَنْبَلًا نَقَلَهُ عَنْ أَحْمَدَ وَلَفْظُهُ: أَرَى دَفْعَهُ إلَيْهِ، وَلَا يَأْتِي عَلَى نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهَا لَا عِوَضَ لَهَا. وَنَقَلَ أَبُو الْحَارِثِ: لَا بَأْسَ. قَالَ: الْمَرْوَزِيِّ وَغَيْرُهُ: كَانَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ لَا يَغْضَبُ لِنَفْسِهِ وَلَا يَنْتَصِرُ لَهَا. (وَيَجِبُ) عَلَى كُلِّ مُكَلَّفٍ (أَنْ يَدْفَعَ عَنْ حُرْمَةِ) غَيْرِهِ (وَ) كَذَا عَنْ (مَالِهِ) أَيْ: الْغَيْرِ؛ لِئَلَّا تَذْهَبَ الْأَنْفُسُ أَوْ الْأَمْوَالُ أَوْ تُسْتَبَاحَ الْحُرَمُ. قَدَّمَهُ فِي الْإِنْصَافِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنْتَهَى وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَفِي الْإِقْنَاعِ وَلَا يَلْزَمُهُ الدَّفْعُ عَنْ مَالِهِ وَلَا حِفْظُهُ مِنْ الضَّيَاعِ كَمَالِ غَيْرِهِ، وَكَانَ عَلَى الْمُصَنِّفِ الْإِشَارَةُ إلَى خِلَافِهِ (مَعَ ظَنِّ سَلَامَةِ دَافِعٍ وَمَدْفُوعٍ عَنْهُ، وَإِلَّا) تُظَنُّ سَلَامَتُهُمَا مَعَ الدَّفْعِ (حَرُمَ) لِإِلْقَائِهِ إلَى التَّهْلُكَةِ وَيَسْقُطُ (وُجُوبُ الدَّفْعِ) حَيْثُ وَجَبَ (بِإِيَاسِهِ) مِنْ فَائِدَةِ دَفْعِهِ (لَا بِظَنِّهِ أَنَّهُ لَا يُفِيدُ) لِتَيَقُّنِ الْوُجُوبِ فَلَا يُتْرَكُ بِالظَّنِّ. (وَيَتَّجِهُ وَكَذَا كُلُّ أَمْرٍ بِمَعْرُوفٍ) يَسْقُطُ وُجُوبُهُ بِإِيَاسِهِ فِي امْتِثَالِهِ لَا بِظَنِّهِ أَنَّ أَمْرَهُ لَا يُفِيدُ (وَنَهْيٍ عَنْ مُنْكَرٍ) كَذَا قَالَ: الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي جُنْدٍ قَاتَلُوا عَرَبًا نَهَبُوا أَمْوَالَ تُجَّارٍ لِيَرُدُّوهُ لِمَالِكِيهِ: هُمْ مُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؛ لِأَنَّهُمْ نَاهُونَ عَنْ الْمُنْكَرِ، وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِمْ فِيمَنْ قَتَلُوهُ مِنْ الْعَرَبِ بِقَوَدٍ وَلَا دِيَةٍ وَلَا كَفَّارَةٍ حَيْثُ لَمْ يَنْدَفِعُوا إلَّا بِذَلِكَ كَالصَّائِلِ، فَإِنْ قَاتَلُوهُمْ لِيَأْخُذُوا لِأَنْفُسِهِمْ فَهُمَا ظَالِمَتَانِ عَلَى مَا يَأْتِي فِي الْبَابِ بَعْدَهُ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَمَنْ عَضَّ يَدَ شَخْصٍ وَحَرُمَ) أَيْ فِي الْحَالِ أَنَّهُ عَضٌّ مُحَرَّمٌ لِكَوْنِهِ مُعْتَدِيًا؛ لِأَنَّ الْعَضَّ لَا يُبَاحُ إلَّا أَنْ لَا يَقْدِرَ الْعَاضُّ عَلَى التَّخَلُّصِ إلَّا بِهِ (فَانْتَزَعَهَا) مِنْ فَمِهِ (وَلَوْ) كَانَ نَزْعُهُ (بِعُنْفٍ)؛ أَيْ: بِشِدَّةٍ (فَسَقَطَتْ ثَنَايَاهُ) [؛ أَيْ: ثَنَايَا] الْعَاضِّ (فَهَدَرٌ)؛ أَيْ: فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي ثَنَايَا الْعَاضِّ؛ لِحَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ: «أَنَّ رَجُلًا عَضَّ رَجُلًا، فَنَزَعَ يَدَهُ مِنْ فِيهِ، فَسَقَطَتْ ثَنَايَاهُ، فَاخْتَصَمُوا إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَعَضُّ أَحَدُكُمْ يَدَ أَخِيهِ كَمَا يَعَضُّ الْفَحْلُ، لَا دِيَةَ لَك» رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا أَبَا دَاوُد. لِأَنَّهُ عُضْوٌ تَلِفَ ضَرُورَةَ دَفْعِ شَرِّ صَاحِبِهِ فَلَمْ يَضْمَنْ، كَمَا لَوْ صَالَ عَلَيْهِ فَلَمْ يُمْكِنْهُ دَفْعُهُ إلَّا بِقَطْعِ يَدِهِ (وَكَذَا مَا فِي مَعْنَاهُ) نَحْوُ أَنْ حَبَسَهُ فِي بَيْتِهِ، أَوْ رَبَطَهُ بِشَيْءٍ مِنْ مَالِهِ، فَخَلَّصَ نَفْسَهُ، فَتَلِفَ بِتَخْلِيصِهِ شَيْءٌ؛ لَمْ يَضْمَنْ (فَإِنْ عَجَزَ) الْمَعْضُوضُ عَنْ التَّخَلُّصِ (دَفَعَهُ)؛ أَيْ: الْعَاضَّ (كَصَائِلٍ) بِأَسْهَلِ مَا يُظَنُّ انْدِفَاعُهُ بِهِ، وَإِنْ كَانَ الْعَضُّ مُبَاحًا مِثْلَ أَنْ يُمْسِكَهُ بِمَوْضِعٍ يَتَضَرَّرُ بِإِمْسَاكِهِ كَخُصْيَتَيْهِ، أَوْ يَعَضُّ بِيَدِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا لَا يَقْدِرُ عَلَى التَّخَلُّصِ مِنْهُ إلَّا بِعَضِّهِ، فَعَضَّهُ فَمَا سَقَطَ مِنْ أَسْنَانِهِ، ضَمِنَ الْمَعْضُوضُ. (وَمَنْ نَظَرَ وَيَتَّجِهُ) كَوْنُ النَّاظِرِ (مُكَلَّفًا) إذْ غَيْرُ الْمُكَلَّفِ لَا يُقَامُ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ الْحُدُودِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ (فِي بَيْتِ غَيْرِهِ مِنْ خُرُوقِ بَابٍ مُغْلَقٍ وَنَحْوِهِ) كَفُرُوجٍ بِحَائِطٍ أَوْ بَيْتِ شَعْرٍ وَكُوَّةٍ وَنَحْوِهَا (وَلَوْ لَمْ يَعْمِدْ) النَّاظِرُ الِاطِّلَاعَ (لَكِنْ ظَنَّهُ)؛ أَيْ: رَبُّ الْبَيْتِ (مُتَعَمِّدًا) وَسَوَاءٌ كَانَ فِي الدَّارِ نِسَاءٌ أَوْ لَا، أَوْ كَانَ مَحْرَمًا، أَوْ نَظَرَ مِنْ الطَّرِيقِ، أَوْ مِلْكِهِ أَوْ لَا (فَحَذَفَ)؛ أَيْ: رَمَى (عَيْنَهُ) بِحَصَاةٍ (أَوْ طَعَنَهُ بِعُودٍ فَتَلِفَتْ) عَيْنُهُ أَوْ حَاجِبُهُ (فَهَدَرٌ) لَا شَيْءَ فِيهِ، لَا إنْ رَمَى بِحَجَرٍ كَبِيرٍ، أَوْ رَشَقَهُ بِسَهْمٍ، أَوْ طَعَنَهُ بِحَدِيدَةٍ (وَلَا يَتْبَعُهُ) لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: «مَنْ اطَّلَعَ فِي بَيْتٍ فَفَقَئُوا عَيْنَهُ؛ فَلَا دِيَةَ وَلَا قِصَاصَ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ. وَفِي رِوَايَةٍ: «مَنْ اطَّلَعَ فِي بَيْتِ قَوْمٍ بِغَيْرِ إذْنِهِمْ؛ فَقَدْ حَلَّ لَهُمْ أَنْ يَفْقَئُوا عَيْنَهُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ. وَلِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الصَّائِلِ؛ لِأَنَّ الْمَسَاكِنَ حِمَى سَاكِنِهَا، وَالْقَصْدَ مِنْهَا سَتْرُ عَوْرَاتِهِمْ عَنْ النَّاسِ، وَالْعَيْنُ آلَةُ النَّظَرِ (بِخِلَافِ مُتَسَمِّعٍ) أَعْمَى أَوْ بَصِيرٍ (وَضَعَ أُذُنَهُ) فِي خَصَاصِ الْبَابِ الْمُغْلَقِ فَلَيْسَ لَهُ قَصْدُ أُذُنِهِ بِطَعْنٍ وَنَحْوِهِ (قَبْلَ إنْذَارِهِ) اقْتِصَارًا عَلَى مَوْرِدِ النَّصِّ، وَلِأَنَّ النَّظَرَ أَبْلُغُ مِنْ السَّمْعِ، فَإِنْ أُنْذِرَ فَأَبَى فَلَهُ طَعْنُهُ كَدَفْعِ الصَّائِلِ (وَ) بِخِلَافِ (نَاظِرٍ مِنْ) بَابٍ (مُنْفَتِحٍ) لِتَفْرِيطِ رَبِّهِ بِتَرْكِهِ مَفْتُوحًا، وَإِنْ عَقَرَتْ كَلْبَةٌ مَنْ قَرُبَ إلَى أَوْلَادِهَا، أَوْ خَرَقَتْ ثَوْبَهُ؛ لَمْ تُقْتَلْ بِذَلِكَ؛ وَلَمْ يَثْبُتْ لَهَا حُكْمُ الْعَقُورِ؛ لِأَنَّ الطِّبَاعَ جُبِلَتْ عَلَى الدَّفْعِ عَنْ الْوَلَدِ، بَلْ تُنْقَلُ إلَى مَكَان مُنْفَرِدٍ دَفْعًا لِأَذَاهَا.
تَتِمَّةٌ:
وَإِنْ رَاوَدَ رَجُلٌ امْرَأَةً عَنْ نَفْسِهَا لِيَفْجُرَ بِهَا، فَقَتَلَتْهُ دَفْعًا عَنْ نَفْسِهَا إنْ لَمْ يَنْدَفِعْ إلَّا بِهِ؛ لَمْ تَضْمَنْهُ؛ لِقَوْلِ عُمَرَ، وَلِأَنَّهُ مَأْذُونٌ فِي قَتْلِهِ شَرْعًا لِدَفْعِهِ عَنْهَا. (وَكَرِهَ) الْإِمَامُ (أَحْمَدُ أَنْ يَخْرُجَ إلَى صَيْحِهِ لَيْلًا؛ لِأَنَّهُ لَا يُدْرِكُ مَاذَا يَكُونُ) نَقَلَهُ صَالِحٌ.

.بَابُ قِتَالِ أَهْلِ الْبَغْيِ:

أَيْ: الْجَوْرِ وَالظُّلْمِ وَالْعُدُولِ عَنْ الْحَقِّ. وَالْبَغِيُّ بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ: الزَّانِيَةُ (وَهُمْ الْخَارِجُونَ عَلَى إمَامٍ) الْمُعْتَدُونَ عَلَيْهِ (وَلَوْ غَيْرَ عَدْلٍ بِتَأْوِيلٍ سَائِغٍ، وَلَهُمْ شَوْكَةٌ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ مُطَاعٌ) سُمُّوا بُغَاةً؛ لِعُدُولِهِمْ عَنْ الْحَقِّ وَمَا عَلَيْهِ أَئِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ، وَالْأَصْلُ فِي قِتَالِهِمْ قَوْله تَعَالَى: {فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إلَى أَمْرِ اللَّهِ} وَحَدِيثُ: «مَنْ أَتَاكُمْ وَأَمْرُكُمْ جَمِيعٌ عَلَى رَجُلٍ وَاحِدٍ يُرِيدُ أَنْ يَشُقَّ عَصَاكُمْ وَيُفَرِّقَ جَمَاعَتَكُمْ فَاقْتُلُوهُ» رَوَاه أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ، وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا: «مَنْ رَأَى مِنْ أَمِيرِهِ شَيْئًا يَكْرَهُهُ فَلْيَصْبِرْ عَلَيْهِ؛ فَإِنَّ مَنْ فَارَقَ الْجَمَاعَةَ شِبْرًا فَمِيتَتُهُ جَاهِلِيَّةٌ». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَقَاتَلَ عَلِيٌّ أَهْلَ النَّهْرَوَانُ وَلَمْ يُنْكِرْهُ أَحَدٌ (فَإِنْ اخْتَلَّ شَرْطٌ مِنْ ذَلِكَ) بِأَنْ لَمْ يَخْرُجُوا عَلَى إمَامٍ، أَوْ خَرَجُوا عَلَيْهِ بِلَا تَأْوِيلٍ أَوْ بِتَأْوِيلٍ غَيْرِ سَائِغٍ، أَوْ كَانُوا جَمْعًا يَسِيرًا لَا شَوْكَةَ لَهُمْ كَالْعَشَرَةِ (ف) هُمْ (قُطَّاعُ طَرِيقٍ) وَتَقَدَّمَ حُكْمُهُمْ فِي الْبَابِ قَبْلَهُ. (وَنَصْبُ الْإِمَامِ فَرْضُ كِفَايَةٍ)؛ لِأَنَّ بِالنَّاسِ حَاجَةً لِذَلِكَ لِحِمَايَةِ الْبَيْضَةِ، وَالذَّبِّ عَنْ الْحَوْزَةِ، وَإِقَامَةِ الْحُدُودِ، وَابْتِغَاءِ الْحُقُوقِ، وَالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ، وَيُخَاطَبُ بِذَلِكَ طَائِفَتَانِ: أَحَدُهُمَا: أَهْلُ الِاجْتِهَادِ حَتَّى يَخْتَارُوا. الثَّانِيَةُ: مَنْ تُوجَدُ فِيهِمْ شَرَائِطُ الْإِمَامَةِ حَتَّى يَنْتَصِبَ لَهَا أَحَدُهُمْ: أَمَّا أَهْلُ الِاخْتِيَارِ فَيُعْتَبَرُ فِيهِمْ الْعَدَالَةُ وَالْعِلْمُ الْمُوَصِّلُ إلَى مَعْرِفَةِ مَنْ يَسْتَحِقُّ الْإِمَامَةَ وَالرَّأْيُ وَالتَّدْبِيرُ الْمُؤَدِّي إلَى اخْتِيَارِ مَنْ هُوَ لِلْإِمَامَةِ أَصْلَحُ. (وَيَتَّجِهُ) أَنَّهُ (لَا يَجُوزُ تَعَدُّدُ الْإِمَامِ) لِمَا قَدْ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنْ التَّنَافُرِ الْمُفْضِي إلَى التَّنَازُعِ وَالشِّقَاقِ وَوُقُوعِ الِاخْتِلَافِ فِي بَعْضِ الْأَطْرَافِ، وَهُوَ مُنَافٍ لِاسْتِقَامَةِ الْحَالِ، يُؤَيِّدُ هَذَا قَوْلُهُمْ: وَإِنْ تَنَازَعَ فِي الْإِمَامَةِ كُفُؤَانِ أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا إذْ لَوْ جَازَ التَّعَدُّدُ لَمَا اُحْتِيجَ إلَى الْقُرْعَةِ.
(وَ) يَتَّجِهُ (أَنَّهُ لَوْ تَغَلَّبَ كُلُّ سُلْطَانٍ عَلَى نَاحِيَةٍ) مِنْ نَوَاحِي الْأَرْضِ، وَاسْتَوْلَى عَلَيْهَا (ك) مَا هُوَ الْوَاقِعُ فِي (زَمَانِنَا فَحُكْمُهُ)؛ أَيْ: الْمُتَغَلِّبِ (فِيهَا)؛ أَيْ: النَّاحِيَةِ الَّتِي اسْتَوْلَى عَلَيْهَا (ك) حُكْمِ (الْإِمَامِ) مِنْ وُجُوبِ طَاعَتِهِ فِي غَيْرِ الْمَعْصِيَةِ وَالصَّلَاةِ خَلْفَهُ وَتَوْلِيَةِ الْقُضَاةِ وَالْأُمَرَاءِ وَنُفُوذِ أَحْكَامِهِمْ وَعَدَمِ الْخُرُوجِ عَلَيْهِ بَعْدَ اسْتِقْرَارِ حَالِهِ؛ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ شَقِّ الْعَصَا وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَيَثْبُتُ نَصْبُ الْإِمَامِ بِإِجْمَاعِ) الْمُسْلِمِينَ عَلَيْهِ كَإِمَامَةِ أَبِي بَكْرٍ مِنْ بَيْعَةِ أَهْلِ الْحَلِّ وَالْعَقْدِ مِنْ الْعُلَمَاءِ وَوُجُوهِ النَّاسِ الَّذِينَ بِصِفَةِ الشُّهُودِ مِنْ الْعَدَالَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْعِلْمِ الْمُوَصِّلِ إلَى مَعْرِفَةِ مُسْتَحِقِّ الْإِمَامَةِ، وَأَنْ يَكُونُوا مِنْ أَهْلِ الرَّأْيِ وَالتَّدْبِيرِ الْمُؤَدِّيَيْنِ إلَى اخْتِيَارِ مَنْ هُوَ لِلْإِمَامَةِ صُلْحٌ، (وَ) يَثْبُتُ أَيْضًا (بِنَصٍّ)؛ أَيْ: عَهْدِ مَنْ قَبْلَهُ عَلَيْهِ بِأَنْ يَعْهَدَ الْإِمَامُ بِالْإِمَامَةِ إلَى إنْسَانٍ يَنُصُّ عَلَيْهِ بَعْدَهُ، وَلَا يَحْتَاجُ فِي ذَلِكَ إلَى مُوَافَقَةِ أَهْلِ الْحَلِّ وَالْعَقْدِ، كَمَا عَهِدَ أَبُو بَكْرٍ بِالْإِمَامَةِ إلَى عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا (وَ) يَثْبُتُ أَيْضًا (بِاجْتِهَادٍ) لِأَنَّ عُمَرَ جَعَلَ أَمْرَ الْإِمَامَةِ شُورَى بَيْنَ سِتَّةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ، فَوَقَعَ الِاتِّفَاقُ عَلَى عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (وَ) يَثْبُتُ أَيْضًا (بِقَهْرِ) مَنْ يَصْلُحُ لَهَا غَيْرَهُ عَلَيْهَا (وَيَلْزَمُ الرَّعِيَّةَ طَاعَتُهُ) قَالَ: أَحْمَدُ وَمَنْ غَلَبَ عَلَيْهِمْ بِالسَّيْفِ حَتَّى صَارَ خَلِيفَةً، وَسُمِّيَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؛ فَلَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ يَبِيتُ وَلَا يَرَاهُ إمَامًا بَرًّا كَانَ أَوْ فَاجِرًا انْتَهَى؛ لِأَنَّ عَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ مَرْوَانَ خَرَجَ عَلَى ابْنِ الزُّبَيْرِ فَقَتَلَهُ، وَاسْتَوْلَى عَلَى الْبِلَادِ وَأَهْلِهَا حَتَّى بَايَعُوهُ طَوْعًا وَكَرْهًا وَدَعَوْهُ، وَلِمَا فِي الْخُرُوجِ عَلَى مَنْ ثَبَتَتْ إمَامَتُهُ بِالْقَهْرِ مِنْ شَقِّ عَصَى الْمُسْلِمِينَ وَإِرَاقَةِ دِمَائِهِمْ وَإِذْهَابِ أَمْوَالِهِمْ. (وَإِنَّمَا يُنَصَّبُ قُرَشِيٌّ) لِحَدِيثِ: «الْأَئِمَّةُ مِنْ قُرَيْشٍ» وَحَدِيثِ: «قَدِّمُوا قُرَيْشًا وَلَا تَقَدَّمُوهَا» وَقَوْلِ الْمُهَاجِرِينَ لِلْأَنْصَارِ: إنَّ الْعَرَبَ لَا تَدِينُ إلَّا لِهَذَا الْحَيِّ مِنْ قُرَيْشٍ. وَرَوَوْا لَهُمْ فِي ذَلِكَ الْأَخْبَارَ قَالَ: أَحْمَدُ: لَا يَكُونُ مِنْ غَيْرِ قُرَيْشٍ خَلِيفَةٌ (حُرٌّ) فَلَا يَكُونُ الْإِمَامُ رَقِيقًا وَلَا مُبَعَّضًا؛ لِأَنَّ لَهُ الْوِلَايَةَ الْعَامَّةَ؛ فَلَا يَكُونُ مُوَلًّى عَلَيْهِ (ذَكَرٌ) لِحَدِيثِ: «خَابَ قَوْمٌ وَلِيَ أَمْرَهُمْ امْرَأَةٌ» (عَدْلٌ) لِاشْتِرَاطِ ذَلِكَ فِي وِلَايَةِ الْقَضَاءِ وَهِيَ دُونَ الْإِمَامَةِ الْعُظْمَى (نَاطِقٌ سَمِيعٌ بَصِيرٌ)؛ لِأَنَّ مَنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ لَا يَصْلُحُ لِأُمُورِ السِّيَاسَةِ، وَيُشْتَرَطُ أَيْضًا كَوْنُهُ بَالِغًا عَاقِلًا؛ لِأَنَّ غَيْرَ الْبَالِغِ الْعَاقِلِ يَحْتَاجُ لِمَنْ يَلِي أَمْرَهُ، فَلَا يَلِي أَمْرَ غَيْرِهِ (عَالِمٌ بِالْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ)؛ لِاحْتِيَاجِهِ إلَى مُرَاعَاتِهَا فِي أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ (كُفُؤٌ ابْتِدَاءً وَدَوَامًا)؛ أَيْ: قَائِمًا بِأَمْرِ الْحَرْبِ وَالسِّيَاسَةِ وَإِقَامَةِ الْحُدُودِ، لَا تَلْحَقُهُ رَأْفَةٌ فِي ذَلِكَ وَلَا فِي الذَّبِّ عَنْ الْإِمَامَةِ، وَأَنْ يَكُونَ ذَا بَصِيرَةٍ، وَالْإِغْمَاءُ لَا يَمْنَعُ عَقْدَهَا وَلَا اسْتِدَامَتَهَا؛؛ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «أُغْمِيَ عَلَيْهِ فِي مَرَضِهِ»، وَيَمْنَعُهَا الْجُنُونُ وَالْخَبَلُ إذَا لَمْ يَتَخَلَّلْهُمَا إفَاقَةٌ وَإِنْ كَانَا أَكْثَرَ زَمَانِهِ مَنَعَا الِابْتِدَاءَ وَالِاسْتِدَامَةَ. وَلَا يَمْنَعُهَا ضَعْفُ الْبَصَرِ إنْ عَرَفَ بِهِ الْأَشْخَاصَ إذَا رَآهَا، وَلَا فَقْدُ الشَّمِّ وَالذَّوْقِ لِأَنَّهُ لَا مَدْخَلَ لَهُمَا فِي الرَّأْيِ وَلَا تَمْتَمَةُ اللِّسَانِ وَلَا ثِقْلُ السَّمْعِ مَعَ إدْرَاكِهِ؛ أَيْ: الصَّوْتِ إذَا عَلَا، وَلَا فَقْدُ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَيَيْنِ، بِخِلَافِ قَطْعِ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ لِعَجْزِهِ عَمَّا يَلْزَمُهُ مِنْ حُقُوقِ الْأُمَّةِ مِنْ الْعَمَلِ بِالْيَدِ أَوْ النَّهْضَةِ بِالرِّجْلِ، وَإِنْ قَهَرَهُ مِنْ أَعْوَانِهِ مَنْ يَسْتَبِدُّ بِتَدْبِيرِ الْأُمُورِ مِنْ غَيْرِ تَظَاهُرٍ بِمَعْصِيَةٍ وَلَا مُجَاهَرَةٍ بِشِقَاقٍ لَمْ يَمْنَعْ ذَلِكَ اسْتِدَامَتَهُ، ثُمَّ إنْ جَرَتْ أَفْعَالُهُ عَلَى أَحْكَامِ الدِّينِ جَازَ إقْرَارُهُ عَلَيْهَا تَنْفِيذًا لَهَا وَإِمْضَاءً؛ لِئَلَّا يَعُودَ الْأَمْرُ بِفَسَادٍ عَلَى الْأُمَّةِ وَإِنْ خَرَجَتْ عَنْ حُكْمِ الدِّينِ لَمْ يَجُزْ إقْرَارُهُ عَلَيْهَا، وَلَزِمَهُ أَنْ يَسْتَنْصِرَ مَنْ يَقْبِضُ عَلَى يَدَيْهِ وَيُزِيلُ تَغَلُّبَهُ. (وَلَا يَنْعَزِلُ) الْإِمَامُ (بِفِسْقِهِ) بِخِلَافِ الْقَاضِي، لِمَا فِيهِ مِنْ الْمَفْسَدَةِ، وَلَا بِمَوْتِ مَنْ يُبَايِعُهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ وَكِيلًا عَنْهُ بَلْ عَنْ الْمُسْلِمِينَ (وَيُجْبَرُ) عَلَى إمَامَةٍ (مُتَعَيِّنٌ لَهَا)؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ لِلْمُسْلِمِينَ مِنْ حَاكِمٍ؛ لِئَلَّا تَذْهَبَ حُقُوقُ النَّاسِ. (وَهُوَ) أَيْ: الْإِمَامُ (وَكِيلُ) الْمُسْلِمِينَ (فَلَهُ عَزْلُ نَفْسِهِ) مُطْلَقًا كَسَائِرِ الْوُكَلَاءِ (وَلَهُمْ)، أَيْ: أَهْلُ الْحَلِّ وَالْعَقْدِ (عَزْلُهُ إنْ سَأَلَهَا)؛ أَيْ: الْعُزْلَةَ بِمَعْنَى الْعَزْلِ؛ لَا الْإِمَامَةِ لِقَوْلِ الصِّدِّيقِ: أَقِيلُونِي أَقِيلُونِي قَالُوا: لَا نُقِيلُكَ (وَإِلَّا) يَسْأَلْ الْعُزْلَةَ (فَلَا) يَعْزِلُونَهُ، سَأَلَ الْإِمَامَةَ أَوْ لَا؛ لِمَا فِيهِ مِنْ شَقِّ عَصَا الْمُسْلِمِينَ. (وَيَحْرُمُ قِتَالُهُ)؛ أَيْ الْإِمَامِ؛ لِحَدِيثِ «مَنْ خَرَجَ عَلَى أُمَّتِي وَهُمْ جَمْعٌ فَاضْرِبُوا عُنُقَهُ بِالسَّيْفِ كَائِنًا مَنْ كَانَ». (وَإِنْ تَنَازَعَهَا)، أَيْ: الْإِمَامَةَ (كُفُؤَانِ) ابْتِدَاءً وَدَوَامًا (أُقْرِعَ) بَيْنَهُمَا؛ فَيُبَايَعُ مَنْ خَرَجَتْ لَهُ الْقُرْعَةُ (وَإِنْ بُويِعَا) وَاحِدٌ بَعْدَ وَاحِدٍ (فَالْإِمَامُ) هُوَ (الْأَوَّلُ) مِنْهُمَا (وَ) لَوْ بُويِعَا (مَعًا أَوْ جُهِلَ السَّابِقُ) مِنْهُمَا (بَطَلَ الْعَقْدُ) لِامْتِنَاعِ تَعَدُّدِ الْإِمَامِ، وَعَدَمِ الْمُرَجِّحِ لِأَحَدِهِمَا، وَصِفَةُ الْعَقْدِ أَنْ يَقُولَ لَهُ كُلٌّ مِنْ أَهَلْ الْحَلِّ وَالْعَقْدِ: قَدْ بَايَعْنَاك عَلَى إقَامَةِ الْعَدْلِ وَالْإِنْصَافِ وَالْقِيَامِ بِفُرُوضِ الْإِمَامَةِ، وَلَا يَحْتَاجُ إلَى ذَلِكَ إلَى صَفْقَةِ الْيَدِ. (وَيَلْزَمُ الْإِمَامَ) عَشَرَةُ أَشْيَاءَ (حِفْظُ الدِّينِ) عَلَى الْأُصُولِ الَّتِي أَجْمَعَ عَلَيْهَا سَلَفُ الْأُمَّةِ، فَإِنْ زَاغَ ذُو شُبْهَةِ عَنْهُ بَيَّنَ لَهُ الْحُجَّةَ وَأَخَذَهُ بِمَا يَلْزَمُهُ مِنْ الْحُقُوقِ؛ لِيَكُونَ الدِّينُ مَحْرُوسًا مِنْ الْخَلَلِ (وَتَنْفِيذُ الْأَحْكَامِ) بَيْنَ الْمُتَشَاجِرِينَ، وَقَطْعُ مَا بَيْنَهُمْ مِنْ الْخُصُومَةِ، وَحِمَايَةُ الْبَيْضَةِ، (وَالذَّبُّ عَنْ الْحَوْزَةِ)؛ أَيْ: حِفْظُ الرَّعِيَّةِ، (وَإِنْصَافُ بَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ) لِيَتَصَرَّفَ النَّاسُ فِي مَعَايِشِهِمْ، وَيَسِيرُوا فِي الْأَسْفَارِ آمَنِينَ (وَإِقَامَةُ الْحُدُودِ وَتَحْصِينُ الثُّغُورِ) لِتُصَانَ مَحَارِمُ اللَّهِ عَنْ الِانْتِهَاكِ، وَتُحْفَظَ حُقُوقُ عِبَادِهِ مِنْ الْإِتْلَافِ وَالِاسْتِهْلَاكِ، وَجِهَادُ مَنْ عَانَدَ الْإِسْلَامَ بِالْعُدَّةِ الْمَانِعَةِ وَالْقُوَّةِ الدَّافِعَةِ حَتَّى لَا تَظْفَرَ الْأَعْدَاءُ بِغِرَّةٍ يَنْتَهِكُونَ بِهَا مَحْرَمًا، أَوْ يَسْفِكُونَ بِهَا دَمًا مَعْصُومًا (وَجِهَادُ مَنْ عَانَدَ الْإِسْلَامَ) بَعْدَ الدَّعْوَةِ حَتَّى يُسْلِمَ، أَوْ يَدْخُلَ فِي الذِّمَّةِ (وَجِبَايَةُ الْفَيْءِ وَالصَّدَقَاتِ عَلَى مَا أَوْجَبَهُ الشَّرْعُ) الْمُطَهَّرُ (وَتَقْدِيرُ الْعَطَاءِ لِمُسْتَحِقِّهِ فِي بَيْتِ الْمَالِ بِلَا إسْرَافٍ) وَلَا تَقْصِيرٍ وَدَفْعُهُ فِي وَقْتِهِ مِنْ غَيْرِ تَقْدِيمٍ وَلَا تَأْخِيرٍ (وَاسْتِكْفَاءُ الْأُمَنَاءِ وَتَقْلِيدُ النُّصَحَاءِ فِيمَا يُفَوَّضُ إلَيْهِمْ مِنْ الْأَعْمَالِ) وَالْأَمْوَالِ، لِتَكُونَ مَحْفُوظَةً مَضْبُوطَةً (وَأَنْ يُبَاشِرَ بِنَفْسِهِ مُشَارَفَةَ الْأُمُورِ وَتَصَفُّحَ الْأَحْوَالِ) لِيَنْهَض بِسِيَاسَةِ الْأُمَّةِ وَحِرَاسَةِ الْمِلَّةِ (وَلَا يُعَوِّلُ عَلَى التَّفْوِيضِ) تَشَاغُلًا (فَقَدْ يَخُونُ الْأَمِينُ)، وَيَغُشُّ النَّاصِحُ، فَإِذَا قَامَ الْإِمَامُ بِحُقُوقِ الْأُمَّةِ، وَجَبَ لَهُ عَلَيْهِمْ حَقَّانِ الطَّاعَةُ وَالنُّصْرَةُ إجْمَاعًا: وَيَحْرُمُ الْخُرُوجُ عَلَيْهِ وَلَوْ غَيْرَ عَدْلٍ، (خِلَافًا لِابْنِ عَقِيلٍ وَابْنِ الْجَوْزِيِّ وَذَكَرَا خُرُوجَ الْحُسَيْنِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى يَزِيدَ) حِين بُويِعَ سَنَةَ سِتِّينَ، أَرْسَلَ لِعَامِلِهِ بِالْمَدِينَةِ أَنْ يَأْخُذَ لَهُ الْبَيْعَةَ عَلَى الْحُسَيْنِ، فَفَرَّ لِمَكَّةَ خَوْفًا عَلَى نَفْسِهِ، فَأَرْسَلَ إلَيْهِ أَهْلُ الْكُوفَةِ أَنْ يَأْتُوهُ لِيُبَايِعُوهُ، وَيَمْحِيَ مَا هُمْ فِيهِ مِنْ الْجَوْرِ، فَنَهَاهُ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَبَيَّنَ لَهُ غَدْرَهُمْ وَقَتْلَهُمْ لِأَبِيهِ وَخِذْلَانَهُمْ لِأَخِيهِ؛ وَأَمَرَهُ أَنْ يَذْهَبَ بِأَهْلِهِ إنْ ذَهَبَ؛ فَأَبَى، فَبَكَى ابْنُ عَبَّاسٍ وَقَالَ: وَاحُسَيْنَاه وَقَالَ لَهُ ابْنُ عُمَرَ نَحْوَ ذَلِكَ، فَأَبَى فَقَبَّلَ بَيْنَ عَيْنَيْهِ. وَقَالَ: أَسْتَوْدِعُك اللَّهَ مِنْ قَتِيلٍ، وَكَذَلِكَ نَهَاهُ ابْنُ الزُّبَيْرِ، بَلْ لَمْ يَبْقَ بِمَكَّةَ إلَّا مَنْ حَزِنَ لِمَسِيرِهِ، وَلَمَّا بَلَغَ أَخَاهُ مُحَمَّدَ بْنَ الْحَنَفِيَّةِ بَكَى حَتَّى مَلَأ طَسْتًا بَيْنَ يَدَيْهِ، وَقَدَّمَ أَمَامَهُ مُسْلِمَ بْنَ عَقِيلٍ، فَبَايَعَهُ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ اثْنَا عَشْرَ أَلْفًا، فَأَرْسَلَ إلَيْهِ يَزِيدُ بْنَ زِيَادٍ، فَقَتَلَهُ، وَلَهُ قِصَّةٌ مَشْهُورَةٌ وَمُقْتَضَى هَذَا أَنَّ خُرُوجَ الْحُسَيْنِ عَلَى يَزِيدَ كَانَ جَائِزًا، وَإِنْ سَبَقَتْ لَهُ الْبَيْعَةُ مِنْ بَعْضِ أَهْلِ الْحَلِّ وَالْعَقْدِ، وَذَلِكَ كَانَ فِي ثُبُوتِ الْإِمَامَةِ لَهُ، وَإِنْ بَلَغَ مِنْ قَبَائِحِ الْفِسْقِ وَالِانْحِلَالِ عَنْ التَّقْوَى مَبْلَغًا وَافِرًا، وَاجْتِهَادُ الْحُسَيْنِ اقْتَضَى جَوَازَ أَوْ وُجُوبَ الْخُرُوجِ عَلَى يَزِيدَ؛ لِجَوْرِهِ وَقَبَائِحِهِ الَّتِي تُصَمُّ عَنْهَا الْآذَانُ؛ فَهُوَ مُحِقٌّ بِالنِّسْبَةِ لِمَا عِنْدَهُ، وَنَظِيرُ ذَلِكَ حَالُ مُعَاوِيَةَ مَعَ الْحَسَنِ قَبْلَ نُزُولِهِ لَهُ عَنْ الْخِلَافَةِ، وَمَعَ عَلِيٍّ فَإِنَّهُ كَانَ مُتَغَلِّبًا بَاغِيًا عَلَيْهِمَا، لَكِنَّهُ غَيْرُ آثِمٍ، لِاجْتِهَادِهِ، فَالْحُسَيْنُ كَذَلِكَ، وَأَمَّا بَعْدَ اسْتِقْرَارِ الْأَحْكَامِ وَانْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ عَلَى تَحْرِيمِ الْخُرُوجِ عَلَى الْجَائِرِ، فَلَا يَجُوزُ الْخُرُوجُ عَلَيْهِ.